الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **
فإن علق الطلاق على مستحيل, فقال: أنت طالق إن قتلت الميت أو شربت الماء الذي في الكوز ولا ماء فيه أو: جمعت بين الضدين أو: كان الواحد أكثر من اثنين أو على ما يستحيل عادة كقوله: إن طرت أو: صعدت إلى السماء أو: قلبت الحجر ذهبا أو: شربت هذا النهر كله أو: حملت الجبل أو: شاء الميت ففيه وجهان أحدهما يقع الطلاق في الحال لأنه أردف الطلاق بما يرفع جملته, ويمنع وقوعه في الحال وفي الثاني فلم يصح كاستثناء الكل, كما لو قال: أنت طالق طلقة لا تقع عليك أو: لا تنقص عدد طلاقك والثاني لا يقع لأنه علق الطلاق بصفة لم توجد ولأن ما يقصد تبعيده يعلق على المحال, كقوله:
إذا شاب الغراب أتيت أهلي ** وصار القار كاللبن الحليب أي: لا آتيهم أبدا وقيل: إن علقه على ما يستحيل عقلا وقع في الحال لأنه لا وجود له فلم تعلق به الصفة, وبقي مجرد الطلاق فوقع وإن علقه على مستحيل عادة كالطيران, وصعود السماء لم يقع لأن له وجودا وقد وجد جنس ذلك في معجزات الأنبياء عليهم السلام, وكرامات الأولياء فجاز تعليق الطلاق به ولم يقع قبل وجوده فأما إن علق طلاقها على نفي فعل المستحيل, فقال: أنت طالق إن لم تقتلي الميت أو: تصعدي السماء طلقت في الحال لأنه علقه على عدم ذلك وعدمه معلوم في الحال وفي الثاني فوقع الطلاق, كما لو قال: أنت طالق إن لم أبع عبدي فمات العبد وكذلك لو قال: أنت طالق لأشربن الماء الذي في الكوز ولا ماء فيه أو: لأقتلن الميت وقع الطلاق في الحال لما ذكرناه وحكى أبو الخطاب عن القاضي, أنه لا يقع طلاقه كما لو حلف ليصعدن السماء أو ليطيرن, فإنه لا يحنث والصحيح أنه يحنث فإن الحالف على فعل الممتنع كاذب حانث قال الله تعالى: وإذا حلف: لا شربت من هذا النهر فاغترف منه وشرب, حنث وإن حلف: لا شربت من هذا الإناء فصب منه في إناء آخر وشرب وكان الإناء كبيرا لا يمكن الشرب به, حنث أيضا وإن كان الشرب به ممكنا لم يحنث لأن الإناء الصغير آلة للشرب, فتنصرف يمينه إلى الشرب به بخلاف النهر والإناء الكبير فإنه لا تنصرف يمينه إلا إلى الشرب من مائه ولو حلف لا يشرب من بردي, فشرب من نهر يأخذ منه لم يحنث وإن حلف لا يشرب من ماء بردي فشرب من نهر يأخذ منه, حنث ذكر نحو ذلك القاضي لأن بردي اسم لمكان خاص فإذا تجاوزه إلى مكان سواه فشرب منه, فما شرب من بردي وإذا كانت يمينه على مائه فماؤه ماؤه حيث كان, وأين نقل وكذلك لو حلف لا يأكل من تمر البصرة فأكله في غيرها حنث وإن اغترف من بردي بإناء, ونقله إلى مكان آخر فشربه حنث في المسألتين جميعا لأن اغتراف الماء من بردي ولو حلف لا يشرب من ماء الفرات, لم يحنث إلا بالشرب من ماء النهر المعروف بالفرات وإن حلف لا يشرب من ماء فرات حنث بالشرب من كل ماء عذب لأنه إذا عرفه فاللام التعريف انصرف إلى النهر المعروف وإذا أنكره صار للعموم, فيتناول كل ما يسمى فراتا وكل عذب فرات قال الله تعالى: ولو حلف لا يشتمه ولا يكلمه في المسجد, ففعل ذلك في المسجد والمحلوف عليه في غيره حنث, وإن فعله في غير المسجد والمحلوف عليه في المسجد لم يحنث ولو حلف لا يضربه, ولا يشجه ولا يقتله في المسجد ففعله, والحالف في المسجد والمحلوف عليه في غيره لم يحنث, وإن كان الحالف في غير المسجد والمحلوف عليه في المسجد حنث لأن الشتم والكلام قول يستقل به القائل, فلا يعتبر فيه حضور المشتوم فيوجد من الشاتم في المسجد وإن لم يكن المشتوم فيه والكلام قول فهو كالشتم, وسائر الأفعال المذكورة فعل متعد محله المضروب والمقتول والمشجوج فإذا كان محله في غير المسجد كان الفعل في غيره فيعتبر محل المفعول به ولو حلف ليقتلنه يوم الجمعة, فجرحه يوم الخميس ومات يوم الجمعة فقال القاضي: لا يحنث وإن جرحه يوم الجمعة فمات يوم السبت فقال: يحنث لأنه لا يكون مقتولا حتى يموت, فاعتبر يوم موته لا يوم ضربه ويتوجه أن يكون الحكم بالعكس في المسألتين فيعتبر يوم جرحه لا يوم موته لأن القتل فعل القاتل ولهذا يصح الأمر به والنهي عنه, قال الله تعالى: {فاقتلوا المشركين} إذا قال: من بشرتني بقدوم أخي فهي طالق, فبشرته إحداهن وهي صادقة طلقت, وإن كانت كاذبة لم تطلق لأن التبشير خبر صدق يحصل به ما يغير البشرة من سرور أو غم وإن أخبرته به أخرى, لم تطلق لأن السرور إنما يحصل بالخبر الأول فإن كانت الأولى كاذبة والثانية صادقة, طلقت الثانية لأن السرور إنما يحصل بخبرها فكان هو البشارة وإن بشره بذلك اثنتان أو ثلاث, أو الأربع في دفعة واحدة طلقن كلهن لأن " من " تقع على الواحد فما زاد قال الله تعالى: وإن قال: أول من تقوم منكن فهي طالق أو قال لعبيده: أول من قام منكم فهو حر فقام الكل دفعة واحدة, لم يقع طلاق ولا عتق لأنه لا أول فيهم وإن قام واحد أو واحدة ولم يقم بعده أحد احتمل وجهين أحدهما, يقع الطلاق والعتق لأن الأول ما لم يسبقه شيء وهذا كذلك والثاني لا يقع طلاق ولا عتق لأن الأول ما كان بعده شيء, ولم يوجد فعلى هذا لا يحكم بوقوع ذلك ولا انتفائه حتى يتبين من قيام أحد منهم بعده فتنحل يمينه, وإن قام اثنان أو ثلاثة دفعة واحدة, وقام بعدهم آخر وقع الطلاق والعتق بالجماعة الذين قاموا في الأول لأن الأول يقع على الكثير والقليل قال الله تعالى: وإذا حلف يمينا على فعل بلفظ عام, وأراد به شيئا خاصا مثل إن حلف لا يغتسل الليلة وأراد الجنابة أو: لا قربت لي فراشا وأراد ترك جماعها أو قال: إن تزوجت, فعبدي حر وأراد امرأة معينة أو قال: إن دخل إلى رجل أو قال: أحد فامرأتي طالق وأراد رجلا بعينه أو حلف لا يأكل خبزا يريد خبز البر أو لا يدخل دارا يريد دار فلان أو قال: إن خرجت فأنت طالق يريد الخروج إلى الحمام أو قال: إن مشيت وأراد استطلاق البطن فإن ذلك يسمى مشيا (قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لامرأة: ثم تستمشين) ويقال: شربت مشيا, ومشوا إذا شرب دواء يمشيه فإن يمينه في ذلك على ما نواه ويدين فيما بينه وبين الله تعالى وهل يقبل في الحكم؟ يخرج على روايتين قال أحمد في الظهار, في من قال لامرأته: إن قربت لي فراشا فأنت علي كظهر أمي فجاءت فقامت على فراشه, فقال: أردت الجماع لا يلزمه شيء وقال الشافعي ومحمد بن الحسن: لا يقبل قوله في الحكم في هذا كله لأنه خلاف الظاهر ولنا أنه فسر كلامه بما يحتمله, فقبل كما لو قال: أنت طالق أنت طالق وقال: أردت بالثانية التوكيد. وإن حلف يمينا عامة, لسبب خاص وله نية حمل عليها, ويقبل قوله في الحكم لأن السبب دليل على صدقه وإن لم ينو شيئا فقد روي عن أحمد ما يدل على أن يمينه تختص بما وجد فيه السبب وذكره الخرقي فقال: فإن لم يكن له نية, رجع إلى سبب اليمين وما هيجها فظاهر هذا أن يمينه مقصورة على محل السبب وهذا قول أصحاب أبي حنيفة وروي عن أحمد ما يدل على أن يمينه تحمل على العموم فإنه قال في من قال: لله علي أن لا أصيد في هذا النهر لظلم رآه فتغير حاله, فقال: النذر يوفي به وذلك لأن اللفظ دليل الحكم فيجب الاعتبار به في الخصوص والعموم كما في لفظ الشارع ووجه الأول, أن السبب الخاص يدل على قصد الخصوص ويقوم مقام النية عند عدمها لدلالته عليها فوجب أن يختص به اللفظ العام كالنية, وفارق لفظ الشارع فإنه يريد بيان الأحكام فلا يختص بمحل السبب لكون الحاجة داعية إلى معرفة الحكم في غير محل السبب فعلى هذا, لو قامت امرأته لتخرج فقال: إن خرجت فأنت طالق فرجعت ثم خرجت بعد ذلك, أو دعاه إنسان إلى غدائه فقال: امرأتي طالق إن تغديت ثم رجع فتغدى في منزله لم يحنث على الأول, ويحنث على الثاني وإن حلف لعامل أن لا يخرج إلا بإذنه أو حلف بذلك على امرأته أو مملوكه فعزل العامل, وطلق المرأة وباع المملوك أو حلف على وكيل فعزله, خرج في ذلك كله وجهان. وإن قال: إن دخل داري أحد فامرأتي طالق فدخلها هو أو قال لإنسان: إن دخل دارك أحد فعبدي حر فدخلها صاحبها, فقال القاضي: لا يحنث لأن قرينة حال المتكلم تدل على أنه إنما يحلف على غيره ويمنع من سواه فيخرج هو من العموم بالقرينة, ويخرج المخاطب من اليمين بها أيضا ويحتمل أن يحنث أخذا بعموم اللفظ وإعراضا عن السبب كما في التي قبلها. وإذا قال لامرأته: إن وطئتك فأنت طالق انصرفت يمينه إلى جماعها وقال محمد بن الحسن يمينه على الوطء بالقدم لأنه الحقيقة وحكي عنه أنه لو قال: أردت به الجماع لم يقبل في الحكم ولنا, أن الوطء إذا أضيف إلى المرأة كان في العرف عبارة عن الجماع ولهذا يفهم منه الجماع في لفظ الشارع في مثل قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا توطأ حامل حتى تضع, ولا حائل حتى تستبرأ بحيضة) فيجب حمله عند الإطلاق عليه كسائر الأسماء العرفية من الظعينة, والراوية وأشباههما ولا يحنث حتى تغيب الحشفة في الفرج وإن حلف ليجامعها أو لا يجامعها, انصرف إلى الوطء في الفرج ولم يحنث بالجماع دون الفرج وإن أنزل لأن مبنى الأيمان على العرف, والعرف ما قلناه وإن حلف لافتضضتك فافتضها بأصبع لم يحنث لأن المعهود من إطلاق هذه اللفظة وطء البكر وإن حلف على امرأة لا يملكها, أن لا ينكحها فيمينه على العقد لأن إطلاق النكاح ينصرف إليه وإن كان مالكا لها بنكاح أو ملك يمين فهو على وطئها لأن قرينة الحال صارفة عن العقد عليها لكونها معقودا عليها. وإن قال: إن أمرتك فخالفتني, فأنت طالق ثم نهاها فخالفته فقال أبو بكر: لا يحنث وهو قول الشافعي لأنها خالفت نهيه لا أمره وقال أبو الخطاب: يحنث, إذا قصد أن لا تخالفه أو لم يكن ممن يعرف حقيقة الأمر والنهي لأنه إذا كان كذلك فإنما يريد نفي المخالفة ويحتمل أن تطلق بكل حال لأن الأمر بالشيء نهي عن ضده, والنهي عنه أمر بضده فقد خالفت أمره وإن قال لها: إن نهيتني عن نفع أمي فأنت طالق فقالت له: لا تعطها من مالي شيئا لم يحنث لأن إعطاءها من مالها لا يجوز, ولا يجوز النفع به فيكون هذا النفع محرما فلا يتناوله يمينه ويحتمل أن يحنث لأنه نفع, ولفظه عام فيدخل المحرم فيه. فإن قال لامرأته: إن خرجت إلى غير الحمام فأنت طالق فخرجت إلى غير الحمام, طلقت سواء عدلت إلى الحمام أو لم تعدل وإن خرجت إلى الحمام, ثم عدلت إلى غيره فقياس المذهب أنه يحنث لأن ظاهر هذه اليمين المنع من غير الحمام فكيفما صارت إليه حنث, كما لو خالفت لفظه ويحتمل أن لا يحنث وهو قول الشافعي لأنها لم تفعل ما حلف عليه ويتناوله لفظه وإن خرجت إلى الحمام وغيره وجمعتهما في القصد ففيه وجهان أحدهما, يحنث لأنها خرجت إلى غير الحمام وانضم إليه غيره فحنث بما حلف عليه, كما لو حلف لا يكلم زيدا فكلم زيدا وعمرا والثاني لا يحنث لأنها ما خرجت إلى غير الحمام, بل الخروج مشترك ونقل الفضل بن زياد عن أحمد أنه سئل: إذا حلف بالطلاق أن لا يخرج من بغداد إلا لنزهة فخرج إلى النزهة, ثم مر إلى مكة فقال: النزهة لا تكون إلى مكة فظاهر هذا أنه أحنثه ووجهه ما تقدم, وقال في رجل حلف بالطلاق أن لا يأتي أرمينية إلا بإذن امرأته فقالت له امرأته: اذهب حيث شئت فقال: لا حتى تقول: إلى أرمينية والصحيح أنه متى أذنت له إذنا عاما, لم يحنث قال القاضي: وهذا من كلام أحمد محمول على أن هذا خرج مخرج الغضب والكراهة ولو قالت هذا بطيب قلبها, كان إذنا منها وله الخروج وإن كان بلفظ عام. فإن حلف ليرحلن من هذه الدار, أو ليخرجن من هذه المدينة ففعل ثم عاد إليها لم يحنث إلا أن تكون نيته أو سبب يمينه يقتضي عدم الرجوع إليها لأن الحلف على الخروج والرحيل, وقد فعلهما وقد نقل عنه إسماعيل بن سعيد إذا حلف على رجل أن يخرج من بغداد فخرج ثم رجع: قد مضت يمينه, لا شيء عليه ونقل عنه مثنى بن جامع في من قال لامرأته: أنت طالق إن لم نرحل من هذه الدار: إن لم يدركه الموت, ولم ينو شيئا هي إلى أن تموت فإن رحل لم يرجع ومعنى هذا, أنه إن أدركه الموت قبل إمكان الرحيل لم يحنث وإن أمكنه الرحيل, فلم يفعل لم يحنث حتى يموت أحدهما فيقع بها الطلاق في آخر أوقات الإمكان وأما قوله: إن رحل لم يرجع فمحمول على من كان ليمينه سبب يقتضي هجران الدار على الدوام ونقل مهنا, في رجل قال لامرأته: إن وهبت كذا فأنت طالق فإذا هي قد وهبت قال: أخاف أن يكون قد حنث قال القاضي: هذا محمول على أنه قال: إن كنت وهبته وإلا فلا يحنث حتى تبتدئ هبته لأن اليمين تقتضي فعلا مستقبلا يحنث به وما فعلت ما حلف عليه بعد يمينه ونقل عنه أيضا في رجل قال لامرأته: إن رأيتك تدخلين الدار, فأنت طالق: فهو على نيته إن أراد أن لا تدخلها حنث وإن كان نوى إذا رآها, لم يحنث حتى يراها تدخل وهو كما قال فإن مبني اليمين على النيات سيما والرؤية تطلق على العلم كقول الله تعالى: ولو قال: امرأتي طالق, إن كنت أملك إلا مائة وكان يملك أكثر من مائة أو أقل حنث فإن نوى إني لا أملك أكثر من مائة, لم يحنث بملك ما دونها وإن قال: إن كنت أملك أكثر من مائة فامرأتي طالق وكان يملك أقل من المائة لم يحنث لأنه صادق. فإن قال لامرأته: يا طالق, أنت طالق إن دخلت الدار طلقت واحدة بقوله: يا طالق وبقيت أخرى معلقة بدخول الدار ولو قال: أنت طالق ثلاثا يا طالق إن دخلت الدار فإن كانت له نية رجع إليها, وإلا وقعت واحدة بالنداء وبقيت الثلاث معلقة على دخول الدار وكذا لو قال: أنت طالق يا زانية إن دخلت الدار وعاد الشرط إلى الطلاق, دون القذف وقال محمد بن الحسن: يرجع الشرط إليهما في المسألتين فلا يقع بها في الحال شيء والأولى أن يرجع الشرط إلى الخبر الذي يصح فيه التصديق والتكذيب وجرت العادة بتعليقه بالشرط, بخلاف النداء والقذف الذي لا يوجد ذلك فيه. فإن قال لامرأته: أنت طالق مريضة بالنصب أو الرفع, ونوى به وصفها بالمرض في الحال طلقت في الحال وإن نوى به أنت طالق في حال مرضك لم تطلق حتى تمرض لأن هذا حال والحال مفعول فيه, كالظرف ويكون الرفع لحنا لأن الحال منصوب وإن أطلق ونصب انصرف إلى الحال لأن مريضة اسم نكرة, جاء بعد تمام الكلام وصفا لمعرفة فيكون حالا وإن رفع, فالأولى وقوع الطلاق في الحال ويكون ذلك وصفا لطالق الذي هو خبر المبتدأ, وإن أسكن احتمل وجهين أحدهما وقوع الطلاق في الحال لأن قوله: أنت طالق يقتضي وقوع الطلاق في الحال فقد تيقنا وجود المقتضى وشككنا فيما يمنع حكمه, فلا نزول عن اليقين بالشك والثاني لا يقع إلا في حال مرضها لأن ذكره للمرض في سياق الطلاق يدل على تعليقه به وتأثيره فيه, ولا يؤثر فيه إلا إذا كان حالا. قال: [وإذا قال: أنت طالق إذا قدم فلان فقدم به ميتا أو مكرها لم تطلق] أما إذا قدم به ميتا, أو مكرها محمولا فلا تطلق لأنه لم يقدم إنما قدم به وهذا قول الشافعي ونقل عن أبي بكر, أنه يحنث لأن الفعل ينسب إليه ولذلك يقال: دخل الطعام البلد إذا حمل إليه ولو قال: أنت طالق إذا دخل الطعام البلد طلقت إذا حمل إليه ولنا أن الفعل ليس منه, والفعل لا ينسب إلى غير فاعله إلا مجازا والكلام عند إطلاقه لحقيقته إذا أمكن وأما الطعام, فلا يمكن وجود الفعل منه حقيقة فتعين حمل الدخول فيه على مجازه وأما إن قدم بنفسه لإكراه فعلى قول الخرقي: لا يحنث وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي وقال أبو بكر: يحنث وحكاه عن أحمد لأن الفعل منه حقيقة, وينسب إليه قال الله تعالى: وإن قدم مختارا حنث الحالف سواء علم القادم باليمين أو جهلها قال أبو بكر الخلال: يقع الطلاق, قولا واحدا وقال أبو عبد الله بن حامد: إن كان القادم ممن لا يمتنع من القدوم بيمينه كالسلطان والحاج, والرجل الأجنبي حنث الحالف ولا يعتبر علمه ولا جهله, وإن كان ممن يمتنع باليمين من القدوم كقرابة لهما أو لأحدهما, أو غلام لأحدهما فجهل اليمين أو نسيها, فالحكم فيه كما لو حلف على فعل نفسه ففعله ناسيا أو جاهلا وفي ذلك روايتان, كذلك ها هنا وذلك لأنه إذا لم يكن ممن تمنعه اليمين كان تعليقا للطلاق على صفة ولم يكن يمينا, فأشبه ما لو علقه على طلوع الشمس وإن كان ممن يمتنع كان يمينا, فيعذر فيها بالنسيان والجهل وينبغي أن تعتبر على هذا القول نية الحالف وقرائن أحواله, الدالة على قصده فإن كان قصده بيمينه منع القادم من القدوم كان يمينا, وإن كان قصده جعله صفة في مطلقة لم يكن يمينا ويستوي فيه علم القادم وجهله, ونسيانه وجنونه وإفاقته مثل أن يقصد طلاقها إذا حصل معها محرمها, ولا يطلقها وحدها وتعتبر قرائن الأحوال فمتى علق اليمين على قدوم غائب بعيد يعلم أنه لا يعلم اليمين ولا يمتنع بها, أو على فعل صغير أو مجنون أو من لا يمتنع بها, لم تكن يمينا وإن علق ذلك على فعل حاضر يعلم بيمينه ويمتنع لأجلها من فعل ما علق الطلاق عليه كان يمينا ومتى أشكلت الحال, فينبغي أن يقع الطلاق لأن لفظه يقتضي وقوع الطلاق عند وجود هذه الصفة على العموم وإنما ينصرف عن ذلك بدليل فمتى شككنا في الدليل المخصص, وجب العمل بمقتضى العموم. فإن قال: إن تركت هذا الصبي يخرج فأنت طالق فانفلت الصبي بغير اختيارها فخرج, فإن كان نوى أن لا يخرج فقد حنث وإن نوى أن لا تدعه لم يحنث نص أحمد على معنى هذا وذلك لأن اليمين إذا وقعت على فعلها, فقد فعل الخروج على غير اختيار منها فكانت كالمكره إذ لم يمكنها حفظه ومنعه وإن نوى فعله فقد وجد, وحنث وإن لم تعلم نيته انصرفت يمينه إلى فعلها لأنه الذي تناوله لفظه فلا يحنث إلا إذا خرج بتفريطها في حفظه أو اختيارها. فإن حلف لا تأخذ حقك مني, فأكره على دفعه إليه وأخذه منه قهرا حنث لأن المحلوف عليه فعل الأخذ, وقد أخذه مختارا وإن أكره صاحب الحق على أخذه خرج على الوجهين في من أكره على القدوم وإن وضعه الحالف في حجره, أو بين يديه أو إلى جنبه فلم يأخذه, لم يحنث لأن الأخذ ما وجد وإن أخذه الحاكم أو السلطان من الغريم فدفعه إلى المستحق فأخذه فقال القاضي: لا يحنث وهو مذهب الشافعي لأنه ما أخذه منه وإن قال: لا تأخذ حقك على حنث لأنه قد أخذ حقه الذي عليه والمنصوص عن أحمد, أنه يحنث في الصورتين قاله أبو بكر وهو الذي يقتضيه مذهبه لأن الأيمان عنده على الأسباب لا على الأسماء ولأنه لو وكل وكيلا, فأخذه منه كان آخذا لحقه منه عرفا ويسمى آخذا قال الله تعالى: فإن قال: إن رأيت أباك فأنت طالق فرأته ميتا أو نائما, أو مغمى عليه أو رأته من خلف زجاج أو جسم شفاف, طلقت لأنها رأته وإن رأت خياله في ماء أو مرآة, أو صورته على حائط أو غيره لم تطلق لأنها لم تره, وإن أكرهت على رؤيته خرج على الوجهين. قال: [وإذا قال لمدخول بها: أنت طالق أنت طالق لزمه تطليقتان, إلا أن يكون أراد بالثانية إفهامها أن قد وقعت بها الأولى فتلزمه واحدة وإن كانت غير مدخول بها بانت بالأولى, ولم يلزمها ما بعدها لأنه ابتداء كلام] وجملة ذلك أنه إذا قال لامرأته المدخول بها: أنت طالق مرتين ونوى بالثانية إيقاع طلقة ثانية وقعت بها طلقتان بلا خلاف وإن نوى بها إفهامها أن الأولى قد وقعت بها, أو التأكيد لم تطلق إلا واحدة وإن لم تكن له نية وقع طلقتان وبه قال أبو حنيفة, ومالك وهو الصحيح من قولي الشافعي وقال في الآخر: تطلق واحدة لأن التكرار يكون للتأكيد والإفهام ويحتمل الإيقاع, فلا توقع طلقة بالشك ولنا أن هذا اللفظ للإيقاع ويقتضي الوقوع, بدليل ما لو لم يتقدمه مثله وإنما ينصرف عن ذلك بنية التأكيد والإفهام فإذا لم يوجد ذلك وقع مقتضاه, كما يجب العمل بالعموم في العام إذا لم يوجد المخصص وبالإطلاق في المطلق إذا لم يوجد المقيد فأما غير المدخول بها فلا تطلق إلا طلقة واحدة, سواء نوى الإيقاع أو غيره وسواء قال ذلك منفصلا أو متصلا وهذا قول أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث, وعكرمة والنخعي وحماد بن أبي سليمان, والحكم والثوري والشافعي, وأصحاب الرأي وأبي عبيد وابن المنذر وذكره الحكم عن علي وزيد بن ثابت, وابن مسعود وقال مالك والأوزاعي والليث يقع بها تطليقتان, وإن قال ذلك ثلاثا طلقت ثلاثا إذا كان متصلا لأنه طلق ثلاثا بكلام متصل, أشبه قوله: أنت طالق ثلاثا ولنا أنه طلاق مفرق في غير المدخول بها, فلم تقع الأولى كما لو فرق كلامه ولأن غير المدخول بها تبين بطلقة, لأنه لا عدة عليها فتصادفها الطلقة الثانية بائنا فلم يمكن وقوع الطلاق بها لأنها غير زوجة, وإنما تطلق الزوجة ولأنه قول من سمينا من الصحابة ولا نعلم لهم مخالفا في عصرهم, فيكون إجماعا.
|